
رائد فهمي : تغيير موازين القوى ممكن
القوى المدنية مطالبة بالتعاون والتنسيق وتوحيد العمل
عقد الحزب الشيوعي العراقي ندوة جماهيرية بعنوان (التغيير نحو دولة المواطنة.. ضرورة وامكانية) في الرابع من آذار 2017 على قاعة جمعية المهندسين العراقية، تحدث فيها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الرفيق رائد فهمي قائلاً:
هناك تقدير واسع بأن المؤتمر الوطني العاشر كان حدثاً سياسيا مهماً وقوبل بترحاب كبير ليس فقط من الشيوعيين وأنصارهم وأصدقائهم بل حتى أبعد من هذه الدائرة,. المؤتمر أشر الى أمل في اللوحة السياسية التي تثير الكثير من الكآبة بعد سنوات من الاحباط والفشل والوضع المتردي لحياة المواطنين والفساد المستشري في مفاصل الدولة بحيث اصبح هو الخطر وكابحا من كوابح النمو والتطور. وغدا المفسدون شريحة متحكمة بمفاصل السلطة فيما الكثير من المتنفذين متشبث وغير مستعد لتقديم أي تنازل من أجل فسح المجال لقوى اخرى تتولى زمام الامور او تتصدى للشأن العام.
انتصارات عسكرية مضيئة وسط ازمة عامة
الانتصارات العسكرية هي النقطة الأساسية المضيئة في اللوحة السياسية الان، وهي غير قليلة ولكن الانتصارات العسكرية الباهرة التي تحققت ونحن نشيد بها وندعمها ونوجه التحية لكل الفصائل والتشكيلات المشاركة فيها, لكنها بحد ذاتها غير كافية لكي تفتح بالضرورة افقا سياسيا واعدا للبلد، لا بل ان القلق يساور الكثيرين عن ماذا بعد داعش؟ وماذا بعد الموصل؟ ما هو مصدر هذا القلق؟ فالبعض يقول أن كل القوى قد توحدت ضد عدو شرس وحشي متمثل بداعش ولكن عند غياب هذا العدو قد ترجع الامور الى نقاط الانقسام وعدم الاتفاق وخاصة فيما يتعلق بخواتيم الامور بعد داعش وبعد تحرير هذه المناطق. والحديث يدور عن الاوضاع ومآلها سواء في داخل المناطق التي تم تحريرها أم على مستوى الوطن حيث يجري الحديث عن الدولة العراقية فهناك تصورات مختلفة في بنيتها. وهناك من يتحدث عن تشكيلات جديدة في بنائها ؛ اقاليم و محافظات جديدة واعادة ترتيب الأوراق.ولابد من تأشير ان هناك قوى صعد نجمها وأخرى أفل نجمها وهذا يحوله البعض، عن قصد او عن غير قصد، الى مصدر قلق. ما يكبر مساحة القلق ان مسؤولين كبارا في الدولة يتحدثون عن ان البلاد لا يمكن الاستمرار في إدارتها بشكل عام كما كانت تدار قبل 2014 فهناك فشل ضاعفه احتلال داعش لأراضينا وتعرض البلاد إلى أزمة اقتصادية وتداعي الموارد وهي بالكاد تغطي الرواتب الأساسية من تصدير النفط. حقا اصبحت الرواتب مشكلة ناهيك عن الاستثمار والعمالة الجديدة، اضافة الى المشاريع الجديدة. والحقيقة الماثلة اننا خلال الفترة الماضية لم ننجز شيئا على صعيد بناء القدرات الانتاجية للبلد وهذا يشترط بناء القطاع الزراعي والقطاع الصناعي وغيرهما من القطاعات واصبحنا مكشوفين تماما. عشر سنوات مضت وفي معظمها كان هناك فائض كبير في الموازنة حيث بلغ سعر النفط بين 100 الى 130 دولارا او اكثر، لكن كل هذه الاموال تبددت والحديث يدور حول اننا انفقنا 800 إلى 900 مليار دولار. التخصيصات من غير الرواتب هي بحدود 300 مليار او اكثر، اين هذه الاموال؟ واين تبددت وانفقت؟.
انطلاق الحركة الاحتجاجية
هذا الفشل الذريع كان احد العوامل المهمة لانطلاق الحركة الاحتجاجية الكبيرة منذ تموز 2015. وهذه الحركة مستمرة وبحالة نادرة عالميا. استمرت الحركة منذ سنة ونصف السنة او اكثر وبدون انقطاع، وهي ليست احتجاجا اسبوعيا فقط وانما هناك اعمال احتجاجية مختلفة مستمرة وهي تطالب بالإصلاح الشامل: سياسي، اقتصادي واصلاح حتى في بنية القضاء، وكذلك محاربة الفساد وتأمين الخدمات كعناوين عامة. هذه المطالبات المستمرة انخرط فيها مئات الالاف من الناس بل الملايين في لحظات. ورغم انحسار الاعداد بين الفينة والاخرى ولكنها متواصلة في معظم محافظات العراق وهي بهذه الصورة المستديمة وبمطالب ملحة ومستمرة، وفي اطر وسياقات وشعارات ذات طابع وطني عام بعيدا عن الهويات الفرعية، وبعيدا عن الطائفية والتعصب، مدنية ليس فقط بشعاراتها بل بسلوكها وقواعدها، سلمية بامتياز رغم بعض الحوادث هنا وهناك، تنم عن سلوك حضاري متقدم أثار إعجاب الكثيرين. والبعض في العالم اليوم يلتفت الى هذه التظاهرات وديمومتها. وهذه التظاهرات قد لا ينظر اليها البعض الا من زاوية واحدة تتمثل بعدد الحضور. التظاهرات حققت الكثير حيث انها غيرت المناخ السياسي، واليوم لا توجد قوة متنفذة في البلد ولا يوجد مصدر قرار سياسي او تشريعي من دون أن يلتفت الى ساحات التظاهر، ومن دون أن يأخذ بالاعتبار المطالب المطروحة وكيف سينظر الى القرار امام ساحات التظاهر وساحات الاحتجاج. ساحات الاحتجاج بقصد او بدون قصد، فهي باستمراريتها تفرض نوعا من الرقابة العامة على الوضع السياسي، رقابة غير مدعومة من المؤسسات وهي شكل من اشكال الرقابة الجماهيرية وصارت محركا للرأي العام، بل حتى القوى المتنفذة المتنمرة المستاءة من هذه التظاهرات لا تجرؤ على مواجهتها بصراحة ولكنها غير راغبة في استمرارها، وهي عندما تجد ثغرة ما فإنها تهجم بدون رحمة ولاحظوا قبل اسابيع فقدنا 16 شهيدا في تظاهرة سلمية باستخدام القسوة والشراسة في مواجهة التظاهرة. وهذه القسوة هي رسالة ليس فقط للمتظاهرين وانما ايضاً لمن يرغب في التظاهر ويريد اللجوء الى الضغط بهدف التغيير.
التغيير على جدول الأعمال
لكل هذه المعطيات، اصبح التغيير على جدول الاعمال, وهذا التغيير ليس مطلبا شعبيا فقط وانما اصبحت حتى القوى المتنفذة ذاتها تتحسب وتتحوط له، لأن الحرب ضد داعش وما تلاها وما رافقها وتأثير التظاهرات والاحتجاجات ترك اثاره على الشريحة السياسية المتنفذة. بعض الوجوه أميط عنها اللثام وأصبحت الآن حقيقة عارية أمام الجماهير وسقطت سياسيا امام الرأي العام الجماهيري وانخفض رصيدها الى حد كبير وحتى رموز كبيرة تعاني من ذلك وبالتالي اصبحت تقلق وتشك في امكانية تجديد الثقة بها.
هناك رموز سياسية وشعارات سياسية وخطاب سياسي كانت تؤمن هيمنة القوى المتنفذة واليوم اصبحت مكشوفة وفقدت الكثير من تأثيرها، وبالتالي فحتى هؤلاء أصبحوا ينظرون الى قضية التغيير كحقيقة لابد أن تتجسد ويتحسبون لكيفية التعامل معها.ان حالة الاحتراب والفوضى حتى لمن أرادها فوضى خلاقة خلفت اليوم هذا النوع من الضعف في أسس بناء الدولة ونفوذها وسلطتها وقدرتها في فرض الأمن على عموم الأرض العراقية، وقدرتها، ايضا، على قطع الطريق أمام أشكال مختلفة من الاعمال الارهابية،اضافة الى عدم القدرة على حصر السلاح بيد الدولة والبعض من القوى الكبرى والاقليمية قام بتوظيف القوى الارهابية لتحقيق اهدافه، ولكن اليوم هذه كبرت وتغولت بحيث أصبحت القوى الارهابية تهدد مراكز الدول الغربية، في اوربا والولايات المتحدة، وأصبح الإرهاب ظاهرة دولية بامتياز وخطره يهدد العواصم وبالتالي هذا الوضع الذي َولد مثل هذه الظواهر لابد من تعديله. التغيير اذاً على جدول الأعمال.
أي نوع من التغيير، ومن هي قواه، وماذا نريد منه؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هو أي نوع من التغيير نريد ومن هي قوى التغيير؟ وماذا نريد من التغيير؟ هذه القضايا كانت حاضرة في نقاشات المؤتمر الوطني العاشر للحزب ومجمل اعماله والاوراق والتقارير التي اُعدت والتي طرحت للمناقشة امام لرأي العام. وحزبنا هو الحزب الوحيد في البلد الذي يطرح مسودات وثائقه امام الرأي العام ويتقبل الملاحظات ويأخذها ويتعامل معها ومن ثم يطرحها في مؤتمراته. وقد تناولت الوثائق والأوراق التي طرحت هذه المواضيع كما تناولت عمق الأزمة التي تعيشها البلاد،ملامحها، تطورها، سياقاتها، ابعادها، وما هي المخارج التي ينبغي التعامل معها؟. والأزمة لم تعد أزمة جزئية وهي ليست فقط أزمة حكم أو أزمة اقتصادية وأزمة اجتماعية وأزمة في إدارة الدولة وأزمة المؤسسة القضائية، وانما هي جميع هذه الازمات التي تشابكت لتتحول الى ازمة بنيوية في البلد.
أزمة البلاد البنيوية
ماذا نقصد بالأزمة البنيوية؟ اولا اذا اخذنا بعدها السياسي فان هذا النمط من الحكم قام على اساس الطائفية السياسية، والتعبير عن الطائفية السياسية ونظام المحاصصة، احزاب وكيانات سياسية للطائفة وانتماء الهويات قد تكون هوية طائفية او دينية او قومية او اثنية ولكنها لا تقوم على مشاريع برنامجيه تتضمن رؤى لبناء دولة، لبناء الاقتصاد. وبعد الاحتلال الامريكي واستمراء قوى عراقية متنفذة تشكلت هذه البنية السياسية لنظام المحاصصة القائم على الطائفية السياسية. ونظام المحاصصة كان ينطلق من فكرة تقول أن في البلاد المتعددة الأعراق والقوميات والمذاهب كالعراق، وعندما تكون العلاقات ليست بالشكل السوي والسليم كما ينبغي، فيجب تأمين السلم الأهلي والاستقرار والمشاركة ويصار الى

