
اعداد: نوارة
"نحن في ولاية الرقة"، هكذا بدأ حديثه مُهيمن 31 عاماً وهو يتذمر من فرض قانون حظر المشروبات الكحولية، "الحكومة الحالية هي داعش لكن بنسخة وردية في الظاهر فقط".
لا يقلق مُهمين بشأن وصول المشروبات الكحولية الى المحال التجارية حسب قوله: اغلب محال المشروبات والنوادي الليلية لازالت تعمل وهي محمية من جهات اسلامية وليس من مصلحتهم إيقافها" مضيفاً بأن "اسعار بعض المشروبات قد تضاعف لكنه لايزال متوفراً.
ويسترسل حديثه قائلاً: لا استبعد ان هذا القانون جاء لينعش سوق الكرستال المتوفر والرخيص، الكثير الآن وبعد ارتفاع اسعار المشروبات الكحولية توجهوا نحو تعاطي الكرستال والمخدرات.
اثار قانون حظر المشروبات الكحولية بالعراق جدلاً واسعًا بعد دخوله حيز التنفيذ ويرجع هذا القانون الى عام 2016 حيث أقره البرلمان العراقي، إلا أنه لم ينشر في جريدة الوقائع العراقية، وهي الجريدة الرسمية، إلا في الـ 21 من شهر شباط / فبراير الماضي، ونشره في الجريدة يعني أنه أصبح من القوانين واجبة التنفيذ.
تمرير القانون هو بوابة لدخول العراق الى الولاية الدينية
يقول المحلل السياسي المقيم في بغداد، ليث عبد الصاحب أن "العراق ليس ملكًا لطائفة واحدة وهو ليس دولة إسلامية، فمنذ الازل العراق بلد متنوع الاديان والطوائف والايدلوجيات ولا تستطيع الدولة ان تفرض رأي معين على الآخرين وغير ذلك فأنه يعد خرقاً للدستور الذي ينص على ان العراق بلد ديمقراطي في حكمه.
وأبدى عبد الصاحب خوفه من أن تمرير قوانين مثل حظر دخول المشروبات الكحولية هو "بوابة لدخول العراق إلى الولاية الدينية ودعشنة للمجتمع".
قوانين تتناقض مع الدستور
في هذا الصدد يقول القانوني ،علي هادي بأن: هذه المادة القانونية تتناقض مع قرار آخر لمجلس الوزراء صدر في 14 شباط/فبراير، يقضي بفرض رسوم جمركية تبلغ 200% على المشروبات الكحولية المستوردة إلى العراق، ويطبق لمدة أربع سنوات.
ويرى هادي بأن: المادة تنتهك التنوع الديني في العراق، لأنها تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستوركالحق في الحرية الشخصية، وحرية الفكر والضمير والعقيدة.
لا يختلف رأي هادي مع رأي القانوني قيصر حسين حيث يقول بأن: اغلب الدول المجاورة لا يوجد فيها منع مطلق للمشروبات الكحولية لكنها تقيد بحسب ضوابط أماكن محددة للبيع، سيما في البلدان المتنوعة دينياً وثقافياً.
الإسلام دين الدولة والكحول حرام
على الرغم من أن هذا القانون قد أزعج الكثيرين لكنه كان صائباً في رأى آخرون حيث قال فراس اللامي -45 سنة- وهو مُدرس للغة العربية في إحدى مدارس بغداد بأن: الدستور العراقي ينص بأن الإسلام دين الدولة، وبالتالي فأن المشروبات الكحولية محرمة في القرآن الكريم، مضيفاً بأن "حظر المشروبات الكحولية هو خطوة جيدة لبناء عراق افضل وجيل واعي"، مشيدًا بجهود كل من سعى لتشريع قانون حظرالخمر وبيعه وتداوله.
وتتفق صفا عابد 33 عاماً وهي تدريسية في أحدى جامعات العاصمة بغداد مع رأي اللامي حيث قالت بأن: بيع المشروبات الكحولية تستنزف العملة الصعبة من الخزينة وهي تضر أخلاق الناس وتهدد السلم المجتمعي لان اغلب المتعاطين للكحول هم بدون وعي ومن الممكن ان يثيروا المشاكل في اي مكان.
في متجر مهند: اغلب متعاطي الكحول مسلمين
على الرغم من الحظر، لا تزال متاجر بيع الخمور في بغداد وفي بعض المحافظات تمارس عملها وقال مهند (اسم مستعار) 38 عاماً وهو صاحب متجر لبيع الكحول في بغداد بأن: الجهات الرسمية لم تصدر اخطار بوقف العمل، ولايعتقد مهند بأن هذا القانون سيدخل حيز التنفيذ –حسب قوله- وأشار اثناء حديثه الى السيطرة الامنية امام متجره وقال: بأن سهراتهم اغلبها برعاية مشروبات المتجر.
ويتابع بأن: صحيح بأن شرب الخمر محرّم لدى المسلمين لكنه حرية خاصة لغير المسلم، منوهاً الى ان اغلب زبائنه من الجيش والشرطة والمسلمين.
وتُمنح تراخيص بيع المشروبات الكحولية لغير المسلمين فقط في العراق، وان شرب الكحول في الأماكن العامة غير محظور لكنه مستهجن.
تقييد للحريات
بالتزامن مع تمكن أكبر كتلة برلمانية تعرف باسم الإطار التنسيقي وتمثل تكتلا للفصائل السياسية الشيعية المتحالفة مع إيران، من تشكيل حكومة في أكتوبر تشرين الأول العام الماضي، ندد الناشط المدني مروان احمد -32 عاماً- قرار حظر المشروبات الكحولية واعتبره قرارًا يحد من الحريات ويجعل المجتمع رهينة قوى دينية مسيطرة على مقاليد الحكم في البلد وان الأغلبية السياسية تفصل القوانين على مقاساتها".
ورأى أحمد أن :"هذا القرار يضاف لسلسلة القرارات المجحفة التي تنتهك باب الحريات الخاصة والحقوق المدنية وهو يتناقض مع حقوق الانسان ،وسيحرم الدولة مصدر قوي للدخل ويشجع عمليات تهريبه وسيصدرد السائحين الأجانب".
انعاش سوق الكرستال
يرى الخبير الاقتصادي جهاد بدران ، بهذا الشان إن " الزحامات المروية تفقد بغداد ملايين الدولارات وبلا شك حظر المشروبات الكحولية سيؤثر على الدولة اقتصاديًا لانه مورد جيد للدخل ويشجع على دخول العملة الصعبة سيما من السائحين".
ويعتقد بدران أن:" حظر المشروبات الكحولية سينعش تجارة المخدرات ومواد الكرستال في ربوع العراق".
قانون للجبايات
وقال النائب عن الكتلة المسيحية في البرلمان العراقي يونادم كنا، إن "قانون حظر المشروبات الكحولية شُرع بطريقة عرجاء وغير صحيحة"، معتبراً في تصريح صحفي أن "هذا القانون ليس لحظر المشروبات بقدر ما هو قانون جبايات".
وشدد بالقول: "لا يجوز تشريع قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الواردة في الدستور العراقي، إذ إن الدستور يضمن الحقوق والحريات لكافة الأديان والمكونات"، معتبراً أن "القانون يعتبر طارداً للمكونات غير الإسلامية وللسائحين، وكذلك طارداً للسلك الدبلوماسي".
ويتفق الباحث في الشأن العراقي مرتضى عامر مع رأي كنا، إذ قال:"هذا القانون لن يُنفذ وهدفه اقراره ليس له شأن بأي مصلحة سوى الجبايات"، مضيفاً بأن :" السوق الحرة في مطار بغداد الدولي التي تعج بالضباط والمسؤولين لازالت تبيع المشروبات الكحولية علانية ولم تتوقف متاجر السعدون عن توفيرها لكنهم سيفرض عليهم غرامات اكبر وعلى المواطن اسعار اكثر والارباح لهم فقط".
ويذكر بأن السلطات الجمركية العراقية قد أعلنت في آذار/ مارس الماضي منع استيراد المشروبات الكحولية تنفيذا لقانون مثير للجدل.
وفي بيان عبر فيسبوك وجهت هيئة الجمارك "المناطق والمراكز الجمركية كافة بمنع دخول المشروبات الكحولية بكافة أنواعها".
وقالت الهيئة إن توجيهها "جاء استنادا إلى قانون واردات البلدية"، في إشارة إلى المادة 14 من القانون الذي نشر في الجريدة الرسمية في 20 شباط/فبراير، وتنص على "حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها".
ويفرض القانون غرامة على المخالفين تتراوح بين 10 ملايين و25 مليون دينار عراقي (أي بين 7 آلاف إلى 19 ألف دولار).
وقدمت كتلٍ سياسية معترضة على تطبيق القانون قدمت طعناً فيه أمام المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في البلد، منها كتلة "بابليون"، عن المكون المسيحي في البرلمان، بعد دفاع قوى رئيسة من تحالف "الإطار التنسيقي"، عن القرار الذي قدمته للبرلمان وجرى التصويت عليه، وقال النائب محمد الزيادي، إن القانون "يجب أن يطبق كوننا في بلد إسلامي وذي طابع اجتماعي وديني".
مبيناً في تصريح صحافي، أن "حظر المشروبات الكحولية لا يعني التعارض مع الحريات بقدر ما هو احترام للدين والأعراف والتقاليد".

